هيمنة إسرائيلية على المياه العربية وسط تنافس المشاريع الإقليمية

هيمنة إسرائيلية على المياه العربية وسط تنافس المشاريع الإقليمية

  • هيمنة إسرائيلية على المياه العربية وسط تنافس المشاريع الإقليمية

اخرى قبل 2 سنة

 

 

هيمنة إسرائيلية على المياه العربية وسط تنافس المشاريع الإقليمية

الحلقه الرابعه

المحامي علي ابوحبله

منذ قيامها في عام 1948 أدركت ''إسرائيل'' أهمية المياه في الصراع العربي- الصهيوني؛ لذلك سعت للاستحواذ عليها والتصرّف بها من جهة، ومن جهة أخرى تشجيع دول المحيط، والتعاون معها، للتحكّم في المياه لإضعاف البلدان العربية وجعلها في حاجة مستمرة ومتنامية إليها؛ لأنها كانت متيقنة أن مستقبل الشرق الأوسط يتوقّف بالسيطرة على المياه أو وضع اليد عليها. وإذا قيل في الحرب العالمية الأولى ''من يملك النفط يكسب المعركة''، وهو قول صحيح آنذاك، فيمكن القول إن ''من يسيطر على مصادر المياه ويتحكّم فيها ويستثمرها هو الذي ستكون له اليد الطولى في الحرب المقبلة''، سواء كانت حربا ناعمة أو حربا بالوسائل الخشنة، فالمياه قد تكون الشرارة التي سيشعل فتيلها من يتمكن من محاولة الاستحواذ عليها. ويتبيّن اهتمام إسرائيل بجميع قواها وكتلها السياسية المختلفة بالمياه، حيث هناك ما يشبه الإجماع عليها، وهو ما تضمنه برنامج الليكود منذ وقت مبكر حول احتفاظه بالأراضي العربية المحتلة، الذي كان يبرر أن نسبة تزيد على 50 في المائة من مصادر المياه العذبة المستهلكة تأتي من الضفة، وتضمنت برامج كتل أخرى فقرات مماثلة في انتخابات الكنيست لأكثر من مرة. لقد دخلت إسرائيل موضوع المياه مباشرة من خلال المعركة التي بدأت في الستينيات عندما حاولت سورية التفكير في تحويل نهر بانياس، الذي ينبع من سفوح الجولان (أحد روافد نهر الأردن) وقامت بإطلاق تهديد مباشر لسورية؛ إدراكا منها لأهمية المياه على اقتصادها، الأمر الذي استدعى عقد القمة العربية عام 1964، وهي القمة الأولى بعد انقطاع قارب عقدين من الزمان، حين انعقدت القمة التأسيسية في أنشاص عام 1946. ولإدراك إسرائيل أن الماء واحد من مصادر الطاقة الأساسية ولا يمكن الاستغناء عنه أو تحقيق تنمية وتقدم من دونه، فقد حاولت إضعاف مصر، وذلك من خلال تقديم خدماتها لإثيوبيا عبر شركة تاحال، التي أسهمت في وضع تصاميم ودراسات لعدد من السدود على نهر النيل في إثيوبيا التي أدت إلى تخفيض حصة السودان ومصر من المياه الضرورية. وتحركت ''إسرائيل'' في اتجاهين الأول، السعي إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية التي ظلّت مقطوعة منذ عام 1967 مع بعض الدول الإفريقية ونجحت في ذلك، والثاني تزويد إثيوبيا بالسلاح لمواجهة ''الثورة الإرتيرية'' في حينها، وما أن نجحت هذه الأخيرة وحصلت إريتريا على الاستقلال، حتى سارعت ''إسرائيل'' إلى إقامة أوثق العلاقات معها، علما بأن علاقات ''إسرائيل'' مع إفريقيا كانت مقطوعة لنحو 30 دولة إفريقية، ولا سيما بعد عام 1973، بسبب مواقفها العدوانية ضد الشعب العربي الفلسطيني، لكن ''إسرائيل'' بدأت باستعادة تلك العلاقات، بل تعويض ما فاتها والحصول على امتياز الدولة الأكثر رعاية في بعض علاقاتها منذ أن وقع الرئيس المصري محمد أنور السادات على اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية الصلح المنفرد عام 1978- 1979، حتى أواسط الثمانينيات استعادت ''إسرائيل'' جميع علاقاتها المقطوعة، بما فيها مع الدول الاشتراكية السابقة (أواخر الثمانينيات) مع ألمانيا الديمقراطية وبولونيا وهنجاريا وتشيكوسلوفاكيا وبلغاريا والاتحاد السوفياتي السابق، إضافة إلى يوغسلافيا ورومانيا، كما استعادت علاقاتها مع الصين في وقت لاحق. أما فيما يتعلق بتركيا، وهي أول دولة إسلامية تعترف بـ''إسرائيل'' منذ عام 1949، فقد ظلّت علاقتها وطيدة بها، خصوصا في مجال المياه. على الرغم من تدهور العلاقة السياسية أخيرا، خصوصا بعد حصار غزة وإعلان الحرب عليها في أواخر عام 2008 وأوائل 2009، وفيما بعد مهاجمة ''إسرائيل'' أسطول الحرية، وقتل تسعة من الأتراك كانوا ينقلون مساعدات إنسانية على ظهر السفينة مرمرة، واضطرار تركيا إلى مطالبتها بالاعتذار الرسمي وتخفيض العلاقات إلى مستوى سكرتير ثان بدلا من سفير، فإن العلاقات الاقتصادية لا تزال مستمرة، كما أن العلاقات الأمنية بما فيها اتفاقية ترايدنت الموقعة عام 1958 لا تزال سارية المفعول من الناحية الفعلية. لقد اهتمت ''إسرائيل'' منذ أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات بشكل خاص بالمياه وأولتها مكانة خاصة في استراتيجيتها، وتزامن ذلك الاهتمام مع تدفق الآلاف من اليهود السوفيات إليها، خصوصا أن حاجتها إلى المياه ازدادت على نحو كبير جدا، ولا سيما أن مخططها الذي قامت بتنفيذه يتلخص في إسكان قسم من اليهود السوفيات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الذي دفع شامير يومها للحديث عن ضرورة الاحتفاظ بهذه الأراضي وعن ''دولة إسرائيل الكبرى''. ومع مقدمات حرب الخليج وما بعدها، قامت إسرائيل بمحاولات سطو ''دولية'' على نهر الأردن، وسعت إلى سرقة مياهه وسيّرتها بموازاة الساحل الجنوبي بهدف إرواء صحراء النقب. كما أقدمت بعد حرب عام 1967 على شفط المياه الجوفية من الأراضي المحتلة، وحاليا فإن أكثر من 60 في المائة من مياه نهر الأردن تذهب إليها ''إسرائيل'' في حين لم يتجاوز ما كانت تستفيد منه من حوض النهر ''عبر أراضيها'' أكثر من 3 في المائة قبل عدوان حزيران (يونيو) ثم أقدمت ''إسرائيل'' على سرقة أخرى، وذلك بالاستيلاء على مياه نهر بانياس عام 1967، وهو الذي يفسر تمسّكها الشديد بمرتفعات الجولان. وكانت ''إسرائيل'' قد وضعت عينها على نهر الليطاني اللبناني، وفي عام 1978 أطلقت اسم عملية الليطاني على غزوها للبنان والجنوب اللبناني بشكل خاص. جدير بالذكر أن طول نهر الليطاني يبلغ 170 كيلومترا ويقطع أكثر من نصف لبنان طوليا من الشمال إلى الجنوب ثم يتحول إلى الغرب، ويصب فيه 16 نهرا ونبعا، ومياهه أفضل أنواع المياه بالمواصفات والجودة، كما أن نحو 80 في المائة منه يقع في سهل البقاع و20 في المائة يمرّ في الجنوب، ويصب في البحر على مسافة ثمانية كيلومترات شمال مدينة صور، وهذه المياه مهمة ''لإسرائيل'' وضرورية لتزويد الجليل المحتل بالمياه بدون ضخّ مكلف، وكان ذلك أحد أهداف الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلال العاصمة بيروت عام 1982. أما بخصوص الجولان فظلّت القوى الصهيونية تردد ''الجولان أبو فلسطين'' لأنها تضم مياه نهر الحاصباني وبانياس والوزان والدان والأردن واليرموك وبحيرة طبريا ومساحة الاحتلال نحو 1200 كيلو مترمربع، وهي جزء من مساعي ''إسرائيل'' لتغيير الهوية العربية لسكان الجولان وتأكيد جديد على التمسك ''الإسرائيلي'' بالجولان بعد قرار ضمها الذي اتخذه الكنيست عام 1981. إن زيارة ليبرمان، وهو أحد أكثر الشخصيات الصهيونية الرسمية المتطرفة، إلى الجولان عشية عرض طلب دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة للحصول على العضوية الكاملة، جزء لا يتجزأ من استفزازاته للمجتمع الدولي، مثلما كان إقرار ''إسرائيل'' مشروعا استيطانيا جديدا ببناء مئات الوحدات السكنية في القدس الشرقية، ومثل تلك الإجراءات تشكل حلقات متصلة في مسلسل استراتيجي متكامل يستهدف قضم الأرض وشفط المياه وإجلاء السكان وجعل الأمر الواقع واقعا، خصوصا بالعلاقة مع دول المحيط، فدول منبع النيل وممرّه خلقت أزمة مائية في السودان وجنوبه ومصر، خصوصا أن نسبة ما يصلهما غير كاف، فما بالك بزيادة نسبة السكان، ناهيكم عن أن ''إسرائيل'' التي استأجرت جزيرة دهلك قامت ببناء قاعدة عسكرية متطورة فيها، مثلما ترتبط بعلاقات وطيدة عسكرية وأمنية مع بعض دولها. وفي الوقت نفسه فإن بناء سدود تركية وأهمها مشروع الغاب أسهم في تخفيض حصة سورية والعراق من المياه، الأمر الذي ينذر بعواقب بيئية وكارثية على البلدين. وقامت إيران أخيرا بتحويل نهر القارون وعدد من الأنهار إلى الداخل الإيراني حاجبة إياها عن شط العرب، الأمر الذي ستكون نتائجه خطيرة على مستقبل شط العرب، الذي يقدّر الطوبوغرافيون أنه سيكون بعد قرن من الزمان في الداخل الإيراني، بسبب الطمي والغرين، وهو في حاجة إلى حلول ومعالجات جذرية. ما يجري يعيدنا إلى أطروحة بن جوريون، الذي افترض خشية إثيوبيا من سياسة عبد الناصر ''التوسعية'' في إفريقيا، ومن ''عداء'' تركيا التقليدي للأمة العربية، يضاف إليها الدور التركي الجديد حاليا، وهو سيف إسلامي بغمد نووي، حتى إن اشتبك مع إسرائيل حاليا، إضافة إلى مشروع إيراني يتعارض مع أكثر من طرف عربي، جزء منه لأسباب تاريخية والآخر يتعلق بمحاولة الهيمنة، الأمر الذي يجعل ''إسرائيل'' تتصرف بطريقة مرتاحة إزاء مشكلة المياه العربية!

المصادر

 

المركز الديمقراطي العربي

الدراسات البحثية/الأفريقية وحوض النيل

الأفريقية وحوض النيل الدراسات البحثية

قضايا المياه في الصراع العربي – الاسرائيلى “الرؤى و الإشكاليات”

الباحث: حسين خلف موسى – المركز الديمقراطى العربى

التعليقات على خبر: هيمنة إسرائيلية على المياه العربية وسط تنافس المشاريع الإقليمية

حمل التطبيق الأن